Sunday, October 6, 2013

الأمانة

تطالعك صفحات الفيس بوك بوجه حزين يعكس حالة من الصراع وفوضى من السجالات بين جماعة الأصابع الأربعة وأنصار القبضة العسكرية وبين الطرفين مواطن حائر في اختيار دور يلعبه داخل مسرحية صاغها إعلام متمرس في فنون الدعاية في مواجهة لجان إلكترونية بارعة في ألاعيب إثارة المشاعر وفنون إشعال الغرائز. وينسى أولئك وهؤلاء موضوع السجال الرئيسي وهو وطن تخطى حافة الهاوية بقليل، وهو بأمس الحاجة إلى دفعة إلى الأمام لن تأتي من دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي ولكنها لابد أن تنبع من إيمان أبنائه بقضيته. إن الحرية ليست نزوة زائلة أو انتفاضة سُكْر في ساعة غضب أعمى، ولكنها كما علمنا الميدان برنامج متكامل له معالم وخارطة تفصيلية لها متطلبات ولكنها تفرض تحديات تحتاج إلى جهود مخلصة وأفكار بناءة. إن الطريق الذي شقه الثائر لابد أن يمهده المهندس ويرصفه العامل ويروي الفلاح الشجيرات النابتة على حوافه. طريق يسير إلى الأمام لا يصيبه اعوجاج أصحاب المصالح ولا تشتته مطامع تجار الدم ومساجلات عواجيز الفرح ومحترفي الندب. إنه طريق افترشته دماء الشهداء.. كانوا مثلكم .. حلمهم كبير.. وأملهم عظيم.. لكن دينهم ثقيل .. وتحقيق حلمهم أمانة..



Wednesday, November 14, 2012

زيارة

جاهدت الجمعة الماضية لأصلي في الجامع الكبير ..قالوا خطيب اليوم  رجل مهم..أتوضأ على عجل..أختصر درجات السلم وثبا .. أقطع الطريق  في انحرافات سريعة متجنبا حفر الماء التي تملأ الشقوق الأسفلتية.. أسلك طريقا مختصرا.. حشود متجمهرة وأعلام خضراء وزينة وزيطة..أشق طريقي بأعجوبة ممزقا العجين الآدمي المشحون بالزفرات، ورائحة العرق تخدش نسمة عابرة ظللتها سحابة متطفلة.. الكتلة الآدمية عصية على الاجتياز.. بوابة الجامع تبتعد ولا تقترب..الصوت المعدني يتردد صداه بين الميكروفونات فتصك الأذان عبارات ترحاب مفعمة بحفاوة غير مألوفة..الكاميرات متناثرة يلتف حولها المصلون وكشافات الإضاءة تبهر الأعين المتربصة..تحية للناس اللي جوه الجامع..أضع الحذاء تحت الإبط مفتشا عن دولاب الأحذية.. تحية للناس اللي بره الجامع.. لكمات شاردة وصفعات جائرة تتستر بالزحام.. الناس اللي في البيوت اللي حوالين الجامع..أفتش في حيرة عن وجه مألوف أو موطىء قدم.. الحرية.. الشعب.. الثورة .. تذكرني تحية صاحب الصوت المعدني بالعسلي نبطشي  الأفراح الشعبية الشهير في فيلم الفرح ..أهلي وحبايبي ..أكاد أجزم أن الزائر هو الفنان عبد الباسط حمودة .. بن البلدة وما المانع..سعد الصغير بنى مسجدا.. وشعبلة شاهدته بأم عيني يغني تواشيح على إحدى الفضائيات..أهلي وحبايبي.. محاولة أخيرة لاجتياز المسافة المستحيلة .. ذراعي تتأبط ذراعا قويا فيسقط زوج الأحذية من تحت إبطي.. يشتبك يسراي بذراع آخر قبض على ساعدي ويد ككلابة معدنية تقبض بيد فولاذية على ياقة القميص..أهلي وحبايبي .. أتفرس في ملامح الصحبة الجديدة.. قامات فارعة تتلفع في سترات داكنة.. منتفخة الجيوب تتدلى من بطانتها قضبان معدنية لها رؤوس مجوفة.. نظارات شمسية داكنة وقطع معدنية تتدلى من الأذان .. أتذكر صورة الفيسبوك الشهيرة لرجل وقف يصلي وحوله خمس قبضايات بسترات منتفخة وقطع معدنية تتدلي من أذانهم يتحلقون حول الواقف ويصلون عكس اتجاه القبلة..بوابة الجامع تبتعد ولا تقترب .. قدماي تتعثران وأنا أسير إلى الخلف في موكب من الرايات الخضراء والأوجه الكالحة.. تشيعني  نظرات يمتزج فيها الفضول بالحسرة وشبح ابتسامة شامتة يتسرب من ركن الفم بتهكم.. أنبش في ذهني مفتشا عن قسمات عبد الباسط حمودة فتمتزج بملامح العسلي النبطشي وتصنع  خليطا بلا ملامح واضحة..أضواء الكشافات تبهرني فأنكس الرأس شاخصا إلى قدماي العاريتين أتساءل عن مصير جوز الجزم الذي انفلت من تحت إبطي نافضا عن ذهني مصيرا آخرا مجهولا بانتظاري في بوكس الشرطة الرابض أمامي في نهاية الطريق...